تعز العز

ما وراء الإصرار الأميركي على البقاء في العراق؟

لم يكن غزو الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها للعراق، في 20 آذار/ مارس 2003 بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، إلا الواجهة لأسباب كثيرة على الصعد الاقتصادية والسياسية كما بات معروفاً. وأهمها سياسيٌ، غير معلن لواشنطن، خاضع لسياستهم في “احتواء” سوريا وإيران ومحاصرتهما عبر احتلال العراق بفعل وجود القوات الأميركية في المنطقة.

كانت الولايات المتحدة الأميركية تعمل في حينه على استراتيجية محاصرة إيران عبر كسر سوريا والعراق، وكان الهدف من الاستراتيجية الأميركية إسقاط سوريا حتى قبل إسقاط العراق. بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، ودخول القوات الأميركية أفغانستان تبدلت المعادلات لدى إدارة بوش الابن، وقد رأت واشنطن نفسها قريبة أكثر من محاصرة إيران عبر حضورها في أفغانستان وباكستان وكان يبقى أمامها فقط احتلال العراق من أجل ضرب خاصرة إيران الغربية.

ا

كل المعطيات التي تحضر لها أميركا وفق استراتيجياتها والدراسات الصادرة عن مراكز الدراسات تخيلت أن إيران ستكون أمام تعقيدات كبيرة وستلوى ذراعها بوجود قوات الجيش الأميركي والأطلسي على حدودها. لكن منذ اللحظة الأولى للدخول الأميركي للعراق بدأ الأميركيون يتفاجأون بأن ذلك لم يؤثر على إيران، التي استبقت ذلك وفق ما يقول الأميركيون بخطة محكمة أدت إلى جمع العراقيين ضد القوات الأميركية، وبدأ تشكيل مقاومة تحارب هذه القوات، ومنذ تلك اللحظة بدأ الأميركيون يتحدثون عن دعم إيران للشيعة في العراق وغيرها من الأحاديث، ومن ثم أخذ الأميركيون يتحدثون تحت الطاولة عن ضرورة التنسيق مع إيران في العراق، ما أكد أن الأميركيين لم يستطيعوا محاصرة الإيرانيين عبر وجود أقوى جيوش العالم في العراق.

الهدف من محاصرة إيران كان إخضاعها لسياسات واشنطن، لتوقف برنامجها النووي، وتغير من حدة الصراع مع “إسرائيل”، وبالتالي تبدأ طهران بالعودة إلى حضن الأميركيين كما كان الأمر في عهد الشاه، لكن ذلك لم يحصل بل وجدت واشنطن في إيران دولة المواجهة الوحيدة في المنطقة التي تعاملها وفق نظرية الند للند والتعامل بالمثل.

الانسحاب المذل

شكل الإنسحاب الأميركي من العراق في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2011، خسارة فادحة للولايات المتحدة الأميركية ـ  خرجت كما ربيبتها “اسرائيل” ذليلة من جنوب لبنان عام 2000 ـ  لكنا إعلامها عمل على تلميع صورتها وتحسين موقفها عبر اتفاقية الخروج التي وقعت بين بغداد وواشنطن، ومع كل ذلك بقي الخروج الأميركي بنظر الكثيرين خروجاً مذلاً أظهر دون أدنى شك أن واشنطن كانت أمام هزيمة نكراء في حربها التي نفذت وفق أهداف كاذبة.

بعد ذلك، بدأ الحديث في أروقة السياسة الأميركية، أن إيران أصبح لديها النفوذ الأكبر في العراق، ولها كلمة عليا هناك مع أركان الدولة، وقد ظهر ذلك في الانتخابات العراقية، فضلاً عن تأكيده بعد دخول تنظيم داعش، فإيران هي الدولة الوحيدة التي دعمت العراقيين بصدق لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.

وتدعي مراكز الدراسات الأميركية أن إيران هي العدو الأكثر شراسة لأميركا وهي مسؤولة عن إراقة دماء الأميركيين في غير منطقة من العالم، وذلك فضلاً عن دعمها حركات كحماس وحزب الله عبر العمل ضد “إسرائيل” ما يثير غضب واشنطن وعدم قدرتهم على حفظ أمن “اسرائيل” في المنطقة.. ولذلك يطالب باحثون أميركيون في مقالاتهم دراساتهم بضرورة وجود استراتيجية أفضل من أجل “احتواء وضبط إيران”.

وقد أدعى الباحثان “John Allen” و”Michael O’Hanlon” في تقرير نشره موقع معهد “Brookings” أن الاستراتيجية الأمنية الهادفة الى احتواء ومواجهة ايران يجب أن تتضمن تعهداً بالحفاظ على الوجود العسكري الاميركي في العراق لفترة أطول وتمديد رزمة المساعدات للعراق، ومن الأفضل أن تدعم دول الخليج وحلف الاطلسي هذا الالتزام.

هذه الدعوات خطيرة جداً كونها تؤدي إلى إحتلال غير مباشر للعراق، ومنع من تحقيق مصيره عبر وجود قوات أميركية على أراضيه، وتزيد من تعقيد المشهد أكثر فأكثر في المنطقة، لأن وجود هذه القوات ليس لمصلحة العراق بل إنه سيؤدي إلى تقويض السيادة العراقية من قبل الإدراة الأميركية، ويجب التنبه من خطورته سيما أن الأميركيين يريدون إثارة فتنة بين العراقيين عبر توجيه سهامهم للحشد الشعبي واتهامهم باتباع ايران، وقد صدرت دعوات واعية في هذا السياق من قبل العراقيين، ومنهم الشيخ قيس الخزعلي الامين العام لـ عصائب اهل الحق، وكذلك الأمين العام لمنظمة “بدر” هادي العامري، ورئيس الوزراء حيدر العبادي الذي رفض تدخل وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون بشؤون العراق.

تبين الدعوات الصادرة عن هذه المراكز والشخصيات الأميركية مدى الامتعاض الأميركي من وجود قوى تواجهها، كالحشد الشعبي في العراق، وكذلك من تقدم إيران وقوتها ومقارعتها الاستكبار الأميركي، وهذه الدعوات تأتي من أجل محاصرة إيران لما تشكله من تهديد للولايات المتحدة الأميركية، التي وصفها الإمام الخميني بالشيطان الأكبر، لما تشكله من غطرسة واستكبار تقوم به إداراتها المتعاقبة ضد شعوب العالم ودونالد ترامب خير دليل على ذلك، وقد قال الإمام القائد السيد علي الخامنئي مؤخر عبارة جميلة جداً بحق ترامب “لا أود صرف الوقت للرد على أباطيل وتبجح رئيس جمهورية أميركا الثرثار. الرد عليه مضيعة لوقت الإنسان”.